السبت، 3 ديسمبر 2011

الهجرة النبوية


الهجرة رحلة لغاية مقدسة ولهدف جل...يل وكبير.. ومثل هذه الهجرة تحقق مثل هذا الهدف بمدّ وتقوية من العقيدة والعاطفة والفكر وتغذية وعون منه.. وبمقدار درجة الإخلاص في هذه الهجرة وعمقها، تكون مساوية ومعادلة لسياحة الإنسان في السماء!
وقد شُرِّف فخر الإنسانية بهاتين السياحتين؛ السماوية والأرضية.. السياحة الأولى كانت خاصة به وغير متاحة لأحد غيره.. أما الثانية فهي في طريق واسعة باقية ومفتوحة للجميع حتى يوم القيامة في شروط خاصة ومعلومة.. طريق واسعة ومضيئة مشى عليها مئات الآلاف من الناس قبل بعثة شمس سماء النبوة وقمرها!
ولاشك أن أكثر هذه الهجرات المباركة فضلا، وأكثرها دويا في سمع الزمن، هي التي قام بها الصادق المصدوق "صلى الله عليه وسلم" مع أصحابه الصدّيقين.
لقد تحمل الرسول الكريم كل صعاب الهجرة –التي جاء الأمر من فوق سبع سماوات– من أجل العثور على معاونين مخلصين لأصحابه الكرام الأوفياء، وعلى موطئ قدم أمين وراسخ ليؤسس هناك دولته، ويقيم الجسور للناس ليوصلهم إلى رحاب دين عالمي، له أبعاد عديدة ومتداخلة وعميقة، ويملك قابلية إنشاء تاريخ جديد ومدنية جديدة.
- بدأت مكة تفرغ تدريجيا، فهناك كل يوم ثلاثة أو أربعة من أهلها يتركها ويهاجر إلى"يثرب" إما خفية أو علنا. وبدأت عملية الهجرة وما حفتها من تضحيات، وما قام به الأنصار من إيثار، ترسم لوحات مضيئة. وتحولت ظاهرة الهجرة إلى شيء سماوي يشبه عملية المعراج، فكأنها سياحة الملائكة في عوالم خلف المكان والزمان.
- وكانت القافلة الأخيرة لهذه الرحلة السماوية على الأرض من نصيب صاحب القافلة الأخيرة في موكب النبوة.
- فقد حفت أكثر أنواع المكاره والأخطار بهجرته "صلى الله عليه وسلم"، ولكنه تجاوز جميع أودية الموت المرعبة، ووصل إلى البلدة المنورة بفضل تفويض أمره إلى الله، وتوكله عليه، واستسلامه له.
- وصل إلى المدينة دون أن يصيبه مكروه من قِبَل سراقة، ولا أي خطر من المخاطر التي كانت موجودة داخل غار ثور وخارجه.. أصبح سراقة صديقا ومرشحا لأن يكون صحابيا.. أما فخر الكائنات ووردة الجزيرة العربية فقد كان يواصل طريقه إلى بلدته المنورة الجديدة وهو يُحَوِّل طريقه المحفوف بالمخاطر إلى بساتين وحدائق.
- وبينما كان بعض أهل مكة ممن يقطر الدم من أفكارهم ومن مشاعرهم يكادون أن يجنوا من الحقد والكره إلى درجة السّعار. كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يدخل "يثرب" في ظل الفرح الغامر لأهلها وهم ينشدون:
طلع البدر علينا = من ثنيات الوادع
وجب الشكر علينا = ما دعا لله داع!

وفي الموضع الذي توجد فيه القبة الخضراء حاليا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم مسكنه المبارك، كما بنى مسجده بجوار بيته فكان بيته ومسجده المباركان متداخلان ويتنفسان الجو العطر المبارك نفسه. ثم بدأ ينفث فيما حواليه الحياة بالوحي وبالرسالة الإلهية وبإلهام روحه..
فَدَينا نبع الحياة هذا، ومن بلغه ونفثه ونشره بأرواحنا وأنفسنا.
ويقوم إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاليا بنفث الصدى المنعكس من غار حراء على قلوبهم على من حولهم في كل مكان يحلّون فيه، ويرشدون القلوب المتخدرة باليأس إلى طرق تحريك هذه القلوب وإحيائها من جديد، وإيصال الهبات والنعم الإلهية إلى الجميع، ورفع الموانع والعوائق الموجودة بين القرآن والقلوب منهين بذلك فراقا دام عدة عصور، ومحققين بذلك اللقاء الكبير!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق