حقوق الصحبة



من أراد صديقا بلا حيف، بقي زمانه بلا صديق.
عاشر أخاك على ما كان من خلق= واحفظ مودته بالغيب ما وصلا!
فأطول الناس غما من يريد أخا= ذا خلة لا يرى في رده خللا!
- ومن حق الصحبة أن لا يبش المرءُ بوجه من نمَّ له على صديقه وأدخل بينه وبينه ظلمة الوحشة.
- وأن لا يقرب منه من استغابه ومزق بالغيبة أثوابه، ومتى صافى من كان على هذه الطريقة، فقد أذى صديقه.[يفهم فحوى هذه النكتة الأولياء، ويعرف سرها العقلاء].
- ومن حق الصحبة النفع حسب الإمكان في الشدة، وفي هذا دليل على صدق المودة.
- إذا لم تكن لي نافعا عند شدتي فما أنت لي يوم القيامة تشفع.
- ومن حق الصحبة: ألا يقاطع المحب، من أحب على الوهم، فإن ذلك يدل على سوء القلب.
إذا ساء قلب المرء ساءت ظنونه = وصدَّق ما يبدو له من توهم
وعادى محبيه بقول عدوه = وأصبح في شك من الأمر مبهم!
- ومن حق الصحبة: أن يغار الصديق على صديقه، والصاحب على صاحبه، والمحب على محبوبه، ومتى فقدت الغيرة(1) فقدت المروءة.
- إسقاط مراسم الآداب، إلا في محافل الأغيار، وإلا ففي خلوة الأصدقاء ينبغي محو التكلف "إذا صحب الألفة، سقطت الكلفة".
- ومن حق الصحبة كتمان السر، ولا يقدر على ذلك إلا الحر، "صدور الأحرار قبور الأسرار".
- ومن حق الصحبة: ستر المعايب، وإظهار المحاسن والمناقب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ستر عورة أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة».
- ومن حق الصحبة: عدم هجر الصاحب، إلا لأمر واجب وإذا كان فعلى الكريم الأصل الطاهر الأرومة الطيب الجرثومة أن يعفو ويصفح، فهو أحسن وأملح.
- ومن حق الصحبة الزيارة، فإن فيها على صدق الود أظهر إشارة.
- ومن حق الصحبة: حفظ الحرمة للمحب. قال الإمام جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: "مودة يوم صلة، ومودة شهر قرابة، ومودة سنة رحم، من قطعها قطعه الله عز وجل".
- ومن حق الصحبة: الإنصاف من النفس إذا وقع موجب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشرف الأعمال ذكر الله، وإنصاف المؤمن من نفسه، ومواساة الأخ من ماله».
- ومن حق الصحبة: الصبر في الصحبة وإسقاط التمتمة (2)، بعد صحة الأخوة في المحبة.
إذا أنت صاحبت الكرام فكن فتى = كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذبا وباردا = على الكبد الحر لكل صديق
- ومن حق الصحبة: أن لا يسمع بعد وثوق الصحبة في صاحبه قول واش بل يردع الواشي ويعرض عنه.
- ومن نقل لك غيبة عن صديق لك فقل له: "يا هذا أنا من صحبة صديقي ووده يقين، ومن كلامك على ظن، ولا يُترك اليقين لأجل الظن، والله تعالى سماك فاسقا قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [سورة الحجرات: 6].
- ومن حق الصحبة: مشاركة الصاحب في المحبوب والمكروه لا يتحول ولا يتململ.
- ومن حق الصحبة: الإغضاء عن معاييب الصديق، والصبر على ما لا يلائمه من أطواره وأحواله، والصفح عن زلاته!
وقد مدح بعض الحكماء بعض الظرفاء فقال:

صفوح عن الإجرام حتى كأنه = من العفو لم يعرف من الناس مجرما
وقال آخر وقد أحسن وأجاد:
وما كنت مذ كنت إلا طوع إخواني = ليست مناكدة الأحباب من شاني
يُجنى عليَّ فأحنوا دائما أبدا = لا شيء أحسن من حان على جاني
إذا خليلي لم أغفر إساءته = فأين موضع إحساني وغفراني!
- ومن حق الصحبة: عدم تكليف المحب ما لا يطيق، فإنك إن فعلت ذلك انقطع في الطريق.
- ومن حق الصحبة: عدم خلف الوعد للصديق. فإن الوفاء بالوعد من المؤيدات لتحكيم الود.
- ومن حق الصحبة: سلامة الصدر للصديق، بل ولجميع المخلوقين، وهذه ثمرة حسن الأخلاق.
- ومن حق الصحبة: حسن المعاشرة والملاءمة، وكف الأذى وصحيح الوفاء، وترك اللوم والجفاء، وقطع هذه الآفات الفانية بالود السليم والصفاء، وحسبنا الله وكفى.
شر الأحبة صاحب الأغراض = والمكثر التعنيف والإعراض
والسيء الأخلاق طورا والذي = تلقاه كيف صنعت ليس براض!.
 - لا ترى المكثر الغوائل حبا = لا ولا الخبّ صاحبا وعشيرا!!
بئس من يحفظ القباح لحين = قبله كان مادحا وشكورا
- ومن الشيم العالية القيام مهما أمكن بشؤون الكرام من الأصدقاء، فما كل صديق كريم الشأن ولا كل من صدَّر كتابه بالبسملة سليمان.
- وينبغي للعالي الجناب من الأحباب، إذا سعى بشأن الصديق أن يقدم شريف عمله للصديق، بين يديه، ولا يمن بما أسداه عليه، وما أجمل قول القائل:
والفتى إن أراد نفع صديق = هو يدري بشأن كيف يسعى
- وقد نص أهل الفضل على أن كرم الولادة إن صح ينتج في الذرية شيما كريمة، وأخلاقا حميدة، فترى كريم الأبوين، طاهر العنصرين، ثابت القدم في الصداقة، واقفا على الفتوة حسب الطاقة. كما ورد في الخبر الشريف: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».



هامش:
(1)-الغيرة: يعني الغيرة على حرمة المحبوب من أن تنتهك أو يخاض فيها بما لا يليق بها... فالغيرة هنا من أوجب الواجبات ولوازم الحب.
(2)- التمتمة: التضجر من لقاء الصديق، بالكلام الخفي بينك وبين نفسك، كأن يأتيك في غير وقت مناسب أو... فتتمتم... فالتمتمة ليست من شيم الأصدقاء والأحباب.