الجمعة، 6 يناير 2012

الميلاد السعيد


- يتم الاحتفال بالأيام العائدة إلى سيدنا المسيح عليه السلام في جميع البلدان تقريبا. المسيحية منها وغير المسيحية، بمظاهر كبيرة من الفرح والحبور والبهجة. وتستمر هذه الاحتفالات أسابيع، بل أشهرا، تجري فيها حوارات وكلام في هذا الموضوع. وفي كل أسبوع يتم تبادل التهاني والهدايا باسمه، ويكون هذا هو الشغل الشاغل لدوائر البريد في تلك الأيام، وتدق الهواتف على الدوام من أجله، وترتفع سماعات الهواتف له، وتتزين كل الأرجاء بالشموع، وتغرق الأسواق والمحلات التجارية بالأضواء، وترتفع الضحكات. تنقلب البيوت إلى خلية نحل تئز بالمشاعر نحوه، وتئن المعابد بأناشيده، ويمر كل يوم ضمن احتفالات ساحرة تدير الرؤوس.
- صحيح أن العديد من الناس في هذه الكرنافالات التي يختلط فيها الحابل بالنابل لا يعرفون ما يفعلون ولا يعرفون لماذا يفعلون، ويكون الكثير من تصرفاتهم تصرفات تهريجية ودون أي ضوابط. ولكن مع هذا تَشم في تلك الأيام نوعا من الوجد الديني، وقطاعات كبيرة من الناس تعرف ماذا تفعل!
- على أي حال من الأحوال فإن الأيام والليالي المرتبطة بسيدنا المسيح عليه السلام قد امتزجت في فكر الإنسانية إلى درجة أن الجميع –أدركوا ذلك أو لم يدركوه- يجدون أنفسهم في خضم هذه الاحتفالات الغريبة. وسواء أكانت الاحتفالات عبادة أم لهوا أم تهريجا، فهم يجدون أنفسهم يشاركون المسيحيين المشاعر نفسها، ويقومون ويقعدون مع هذه المشاعر، حتى إنهم يقومون بقطع أشجار الصنوبر وبذبح الديك الرومي، وبشرب الشمبانيا، فيسكرون حتى الثمالة، ويخرجون إلى الشارع سكارى لا يدرون ما يفعلون!
-  ومع أننا نحن المسلمين نحاول ضمن دائرة معينة وضمن مقياس ما، القيام بشعائر الاحتفال بمولد نبينا صلى الله صلى عليه وسلم، بتوزيع بعض الحلويات وماء الورد، وأحيانا بجلب بعض المنشدين أو قراء المدائح النبوية لإثبات ارتباطنا به عليه الصلاة والسلام... ولكن كل هذه المحاولات لا ترتقي ولا تتناسب مع عظمته. بل لم تصل حتى إلى الاحترام والاهتمام الموجه إلى عظماء في التاريخ لا يستطيعون إلا أن يقفوا باحترام أمام سيد الأنبياء والمرسلين. فمثلا لا نشاهد أي فورة فرح أو مظاهر بهجة كالتي نشاهدها في مناسبات عيد ميلاد المسيح عليه السلام وفي احتفالات رأس السنة الميلادية.
- والمقترحات التي يمكن تقديمها هنا ليست بطبيعة الحال من التكاليف الشرعية، فلا يمكن لأي أحد ادعاء هذا. ولكننا نتساءل ألا يمكن أن نجعل هذه الاحتفالات –باسم رسالته الهادية النورانية- أكثر عمقا وغنى وجدية؟
- طبعا نحن لا نرضى ولا يوجد هناك شخص واحد يرضى أو يقبل تحوّل مناسبة المولد السعيد والمبارك والمبجل، ولا تحول الدين الإسلامي إلى مثل هذه الكرنافالات. كما لا يملك أحد القدرة على القيام بمثل هذا التحويل. ولكن كلما شاهدنا كيف أن دنيا يسودها الكذب والرياء استطاعت استغفال الإنسانية كلها وأخذتها في شباكها... كلما شاهدنا هذا نحاسب أنفسنا ونتساءل بحزن: "لماذا لا يستطيع العالم الإسلامي الاحتفال في ربيع الأول كما يجب بمولد سلطان الأنبياء الذي هو في الوقت نفسه ميلاد هذا العالم وربيعه، ويوم خلاص الإنسانية نفسها... الاحتفال بنفس المشاعر الجياشة..!!"
- لا يجب أن يتبادر إلى الأذهان مما ذكرنا أعلاه أننا نريد المسّ بمقام سيدنا عيسى عليه السلام وبمنزلته، أو بمقام أتباعه وحوارييه فالاحترام والتوقير الذي نحمله نحن المسلمين تجاه هذا الرسول الكريم لا حدّ له!
- منذ عصور ونحن عاجزون عن الاحتفال بيوم وأسبوع وشهر ولادة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي تدين له الإنسانية جمعاء، بما يتناسب مع قامته السّامقة الرفيعة، بل لا يتم الاحتفال به بنسبة ما تتم من الاحتفالات لعظماء التاريخ الذين لا يستطيعون بلوغ كعبه صلى الله عليه وسلم. فلو رتبت الاحتفالات بمولده أياما وسنوات وعصورا لما تمّ الإيفاء بحقّه. ولو أنشدنا عشرات وآلاف القصائد والأناشيد كل ليلة لما أوفيناه حقّه!
- لكن انطلاقا من المثل الشعبي القائل:"السلطنة تليق بالسلطان، والتّسول يليق بالمتسولين". نقول:"بدلا من عدم عمل أي شيء، فمن الأفضل عمل ما يمكننا عمله في الأقل". لذا يجب مثلا ترتيب احتفالات وندوات ومسابقات ثقافية ومجالس للصلوات عليه... كل عام في كل بلد من البلدان الإسلامية، وتخصيص فترة من الزمن لها.. وإذا كان من الممكن تخصيص هذا العام مثلا كـ(عام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) مع شعورنا بالخجل والحياء من بخلنا وعدم وفائنا المتجلي بتخصيص عام واحد فقط له...!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق